من المعلوم أن لأبليس جنودا وجيشا وسرايا يرسلهم لإغواء بني آدم ، فلقد قال ربنا عز وجل تعالى
{ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا }
(64) سورة الإسراء ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – [ إِنَّ عَرْشَ إِبْلِيسَ عَلَى الْبَحْرِ فَيَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَيَفْتِنُونَ النَّاسَ فَأَعْظَمُهُمْ
عِنْدَهُ أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً ] رواه مسلم .إذاً لإبليس سرايا وجيش فيه الركبان والمشاة ويحركهم هنا وهناك لإغواء الناس ، ولكن إن كان
لإبليس جنداً فهل نحن لنا جنود ؟ وكيف تتم المعركة وأين ؟ وما هي الأسلحة المستخدمة ؟ .أنت لست وحدك في هذه المعركة ،
فإن الله عز وجل قد أعانك بمساعدين إثنين ، ولقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما إذ يقول
[ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ، وَعَلَى جَنْبَتَيْ الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ ،
وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ أَيُّهَا النَّاسُ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا وَلَا تَتَفَرَّجُوا ، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ
فَإِذَا أَرَادَ يَفْتَحُ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ قَالَ وَيْحَكَ لَا تَفْتَحْهُ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ ، وَالصِّرَاطُ الْإِسْلَامُ ، وَالسُّورَانِ
حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى ، وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَالدَّاعِي
فَوْقَ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ ] رواه أحمد وصححه الألباني .أنت الآن عندك مساعدان وهما : كتاب الله عز
وجل وطبعا سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وكذلك عندك واعظ الله وهو ملك يأمرك بالخير وطاعة الله عز
وجل ، إلا إنك لازلت تتسائل أين جنودي الذين سيقاتلون في هذه المعركة ؟ .قبل أن أجيبك دعني أقول لك أنك تملك حصنا ،
وذلك الحصن هو أنت أو قل نفسك ، وبداخل الحصن قلبك ، ولذلك الحصن أبواب عدة ، وعلى كل باب جندي من جنودك
يحرس هذا الباب ، والشيطان يحاصر حصنك بجنوده ، ويريد أن يدخل عن طريق أي باب من أبواب الحصن ، وعليك
أنت أن تراقب جنودك وأن تساعدهم على ألا ينهزموا أمام هذا الغزو .هؤلاء الجنود هم : عينك ، أذنك ،
فمك ، أنفك ، يدك ، رجلك ، بطنك ، فرجك .هزيمة الجندي الواحد تكون بسماحك له بأن يعصي الله عز وجل ،
وانتصار الجندي بأن تستخدمه في طاعة الله عز وجل ، فلو أنك سمحت لعينك أن تنظر إلى حرام فلقد تمكن أحد
الشياطين من غزو حصنك عن طريق الباب الذي تحرسه عينك ، وهو يغزوك مريدا بذلك قلبك ، فيصل
سهم من الشيطان إلى قلبك فتتأثر كل جنودك بهذه الإصابة لأن قلبك قد أصيب ، وإن استمعت أذنك لأغنية
محرمة أو صوت حرام ، فإن الشيطان سيتسلل من خلال الباب الذي تحرسه أذنك قاصدا إصابه قلبك وهكذا .القلب هو القائد
العام لهؤلاء الجنود ، وهو القدوة لهم ، فإن كان القلب يحمل إيمانا وتقوى ، كانت الجنود تتقي الله ربها ، وإن كان القلب
يحمل كفرا وشركا وشهوة ، كانت الجنود مهزومة فاسدة لا نفع منها ، ولتعلم أن الشيطان يريد منك قلبك ، ولكن لماذا ؟
.حتى نعرف السبب يجب أن ننظر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم [ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ
كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ ] متفق عليه ، فبضرب القلب وإفساده يعني إفساد كل جسدك
وبالتالي إفساد كل جندك وهزيمتك هزيمة نكراء ، واقرأ قول ربنا { ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ }
(32) سورة الحج ، وقوله { إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ }
(3) سورة الحجرات ، فالتقوى محلها - مكانها - القلب ، فلو استطاع الشيطان أن ينزع التقوى من قلبك فكيف
سيكون حالك ساعتها ؟ .الناس في هذه المعركة على ثلاثة أحوال لا رابع لها :أولا:هناك من هو صاحب
حصن قد اخترقته الشياطين وسكنته وأصابت قلبه حتى أصبح قلب ميت لا حياة فيه ولا إيمان ، فهو قلب مليئ
بالظلمة مليء بالشهوات ، فهو قلب لا ينكر منكرا ولا يعرف معروفا .ثانيا:هناك من يحمي الجنود حصنه ،
ولكن أحيانا يقع أحد جنوده في الهزيمة ، فيتسلل أحد الشياطين فيصيب القلب ، ثم يسرع صاحب القلب بالتوبة والاستغفار ،
فيعود قلبه معافا مما أصابه ، ثم تحدث هزيمة مرة أخرى وهكذا ، فمثل هذا النوع يكون في سجال بينه وبين الشيطان ،
فمرة ينتصر عليه ومرة يهزمه .ثالثا:هناك من لا يستطيع الشيطان حتى أن يقترب من حصنه ، أو حتى يوسوس
له فلقد وصل الإيمان قلبه وتغلغل ، وكان من القوة ما يجعل الشياطين تهاب الإقتراب من صاحب هذا الحصن ،
لأنه لو اقترب لانتهى ، فالجنود على هذا الحصن ليسوا منشغلين بالدفاع ، ولكن بالهجوم أيضا - إن دعت الحاجة لذلك -
والهجوم خير وسيلة للدفاع ، ومن أمثلة هؤلاء هو الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلقد قال له
رسول الله صلى الله عليه وسلم [ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ ] متفق عليه .أنظر
إلى أي الحصون ينتمي حصنك ، وأعلم أنه ما من سبيل لإصلاح قلبك إلا بالتوبة النصوح ، والاستغفار ، فكل معصية تعصي
بها الله يسود جزء في قلبك من هذه المعصية ، وذلك على قدر المعصية فكلما كبرت المعصية كبر السواد ،
وإن تبت واستغفرت تطهر وبريء قلبك بإذن الله ، ولتقرأ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم [ إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ
خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ وَهُوَ
الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } ] رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح .المعركة
تبدأ بمجرد استيقاظك من النوم وإدراكك بما حولك ، بل ربما تبدأ وأنت مستلقيا على سريرك ، فلعل الشيطان يوسوس
لك لكي تنام فتضيع عليك صلاة لكسلك عنها ، لذا حينما تستيقظ يجب أن تنتبه على جنودك كلها ، فلا تلمس حراما
ولا تقل حراما ، وأعلم أن المعركة تشتد حين نزولك من البيت قاصدا عملك أو معاشك ، فإنك ستواجه هجوما
متعددا فلتراقب عينك ، وسمعك ، وفمك ، ورجلك ، واحذر فالشيطان سيستغل أي فرصة ليصيب قلبك ، وأعلم أن
المعركة لن تنتهي حتى تنام أو يرفع القلم عنك
.:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
هذا الموضوع نقلا عن مدونة شباب مسلم